الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وإن أردت مع ذلك ب: {الكتاب} التوراة والإنجيل، فذلك بيّن، فإن تأولت مع ذلك: {المر} حروف المعجم- رفعت قوله: {الحق} على إضمار مبتدأ تقديره: هو الحق، وإن تأولتها كما قال ابن عباس ف: {الحق} خبر: {تلك} ومن رفع: {الحق} بإضمار ابتداء وقف على قوله: {من ربك} وباقي الآية ظاهر بين إن شاء الله.وقوله تعالى: {الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها} الآية، لما تضمن قوله: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} توبيخ الكفرة، عقب ذلك بذكر الله الذي ينبغي أن يوقن به، ويذكر الأدلة الداعية إلى الإيمان به.والضمير في قوله: {ترونها} قالت فرقة: هو عائد على: {السماوات}. ف: {ترونها}- على هذا- في موضع الحال، وقال جمهور الناس: لا عمد للسماوات البتة، وقالت فرقة: الضمير عائد على العمد، ف: {ترونها}- على هذا- صفة للعمد، وقالت هذه الفرقة: للسماوات عمد غير مرئية- قاله مجاهد وقتادة- وقال ابن عباس: وما يدريك أنها بعمد لا ترى؟ وحكى بعضهم: أن العمد جبل قاف المحيط بالأرض، والسماء عليها كالقبة.قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف، والحق أن العمد جملة، إذ العمد يحتاج إلى العمد ويتسلسل الأمر، فلابد من وقوفه على القدرة، وهذا هو الظاهر من قوله تعالى: {ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه} [الحج: 65] ونحو هذا من الآيات، وقال إياس بن معاوية: السماء مقببة على الأرض مثل القبة.وفي مصحف أبيّ: {ترونه} بتذكير الضمير، والعمد: اسم جمع عمود، والباب في جمعه: عمد- بضم الحروف الثلاثة كرسول ورسل، وشهاب وشهب وغيره، ومن هذه الكلمة قول النابغة: البسيط: وقال الطبري: العَمد- بفتح العين- جمع عمود، كما جمع الأديم أدمًا.قال القاضي أبو محمد: وليس كما قال، وفي كتاب سيبويه: إن الأدم اسم جمع، وكذلك نص اللغويون على العمد، ولكن أبا عبيدة ذكر الأمر غير متيقن فاتبعه الطبري.وقرأ يحيى بن وثاب {بغير عُمُد} بضم العين والميم.وقوله: {ثم} هي- هنا- لعطف الجمل لا للترتيب، لأن الاستواء على العرش قبل {رفع السماوات}، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله. وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض».وقد تقدم القول في كلام الناس في الاستواء، واختصاره: أن أبا المعالي رجح أنه: {استوى} بقهره وغلبته، وقال القاضي ابن الطيب وغيره: {استوى}- في هذا الموضع- بمعنى استولى، والاستيلاء قد يكون دون قهر. فهذا فرق ما بين القولين، وقال سفيان: فعل فعلًا سماه استواء.وقال الفراء: {استوى}- في هذا الموضع- كما تقول العرب: فعل زيد كذا ثم استوى إلى يكلمني، بمعنى أقبل وقصد. وحكي لي عن أبي الفضل بن النحوي أنه قال: {العرش}- في هذا الموضع- مصدر عرش، مكانه أراد جميع المخلوقات، وذكر أبو منصور عن الخليل: أن العرش: الملك، وهذا يؤيد منزع أبي الفضل بن النحوي إذ قال: العرش مصدر، وهذا خلاف ما مشى عليه الناس من أن العرش هو أعظم المخلوقات وهو الشخص الذي كان على الماء والذي بين يديه الكرسي؛ وأيضًا فينبغي النظر على أبي الفضل في معنى الاستواء قريبًا مما هو على قول الجميع. وفي البخاري عن مجاهد أنه قال: المعنى: علا على العرش.قال القاضي أبو محمد: وكذلك هي عبارة الطبري، والنظر الصحيح يدفع هذه العبارة.وقوله: {وسخر} تنبيه على القدرة، و: {الشمس والقمر} في ضمن ذكرهما ذكر الكواكب- وكذلك قال: {كل يجري} أي كل ما هو في معنى الشمس والقمر من التسخير، و: {كل} لفظة تقتضي الإضافة ظاهرة أو مقدرة، والأجل المسمى هو انقضاء الدنيا وفساد هذه البنية، وقيل: يريد بقوله: {لأجل مسمى} الحدود التي لا تتحداها هذه المخلوقات أن تجري على رسوم معلومة.وقوله: {يدبر} بمعنى: يبرم- وينفذ- وعبر بالتدبير تقريبًا لأفهام الناس، إذ التدبير إنما هو النظر في أدبار الأمور وعواقبها، وذلك من صفة البشر، و: {الأمر} عام في جميع الأمور وما ينقضي في كل أوان في السماوات والأرضين وقال مجاهد: {يدبر الأمر} معناه: يقضيه وحده.وقرأ الجمهور: {يفصل} وقرأ الحسن بنون العظمة، ورواها الخفاف وعبد الوهاب عن أبي عمرو وهبيرة عن حفص، قال المهدوي: ولم يختلف في: {يدبر}، وقال أبو عمرو الداني: إن الحسن قرأ {نفصل} و{ندبر} بالنون فيهما، والنظر يقتضي أن قوله: {يفصل} ليس على حد قوله: {يدبر} من تعديد الآيات بل لما تعددت الآيات وفي جملتها يدبر الأمر، أخبر أنه يفصلها لعل الكفرة يوقنون بالبعث، و: {الآيات} هنا إشارة إلى ما ذكر في الآية وبعدها. اهـ.
يريد: إلى الملك القرم بن الهمام، ليثِ الكَتيبة.{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ}.قوله تعالى: {الله الذي رَفَعَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} الآية.لمّا بيّن تعالى أن القرآن حقّ، بين أن مَن أنزله قادر على الكمال؛ فانظروا في مصنوعاته لتعرفوا كمال قدرته؛ وقد تقدّم هذا المعنى.وفي قوله: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} قولان: أحدهما: أنها مرفوعة بغير عمد ترونها؛ قاله قَتَادة وإيّاس بن معاوية وغيرهما.الثاني: لها عمد، ولكنا لانراه؛ قال ابن عباس: لها عمد على جبل قاف؛ ويمكن أن يقال على هذا القول: العمد قدرته التي يُمسِك بها السموات والأرض، وهي غير مرئية لنا؛ ذكره الزّجاج.وقال ابن عباس أيضًا: هي توحيد المؤمن.أعمدت السماء حين كادت تنفطر من كفر الكافر؛ ذكره الغَزْنَوِيّ.والعَمَد جمع عمود؛ قال النابغة: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} تقدّم الكلام فيه.{وَسَخَّرَ الشمس والقمر} أي ذَلَّلَهما لمنافع خلقه ومصالح عباده؛ وكل مخلوق مُذلّل للخالق.{كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} أي إلى وقت معلوم؛ وهو فناء الدنيا، وقيام الساعة التي عندها تُكوّر الشمس، ويُخسَف القمر، وتنكدر النّجوم، وتنتثر الكواكب.وقال ابن عباس: أراد بالأجل المسمّى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهيان إليها لا يجاوزانها.وقيل: معنى الأجل المسمّى أن القمر يقطع فَلَكه في شهر، والشمس في سنة.{يُدَبِّرُ الأمر} أي يصرفه على ما يريد.{يُفَصِّلُ الآيات} أي يُبيّنها؛ أي من قدر على هذه الأشياء يقدر على الإعادة؛ ولهذا قال: {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}. اهـ.
|